وصف الرحالة الأجانب لعُمان

On الأربعاء، 4 مارس 2015 0 التعليقات

وصف الرحالة الأجانب لعُمان
فــي القــرون الخمســـة الأخــيرة


شأنها شأن أقطار الشرق الأخرى استقطبت عمان العديد من الزائرين الأجانب الذين اختلفت أهدافهم ومقاصدهم فمنهم من كان مغامرا يبحث عن الغرائبيات والأساطير. ومنهم البحارة وقادة السفن. ومنهم من شاقه مشاهدة الصحراء وما يسمعه عنها. ومنهم الجواسيس المكلفون بجمع البيانات والأخبار لصالح حكومات وجهات بعينها. ومنهم رجال السياسة وذو المهام الدبلوماسية من المبعوثين الرسميين. ومنهم أعضاء الكنيسة من المبشرين الذين هدفهم نشر الديانة المسيحية وكثير من هؤلاء كانوا من الأطباء وقد أقاموا مستشفيات ومراكز للعلاج ونظموا قوافل لزيارة المناطق البعيدة لمعالجة الناس من الأمراض ولشرح العقيدة المسيحية لهم وقراءة الإنجيل وبيع وتوزيع كتبه عليهم. 
ومنذ القرن الخامس عشر الميلادي وعمان تشهد توافد هؤلاء الرحالة والمغامرين والباحثين عن جديد ما. ومن حسن الحظ أن بعض هؤلاء إن لم يكن أغلبهم قد دونوا مشاهداتهم وملاحظاتهم وتحدثوا عن مهامهم ولقاءاتهم بعامة الناس وبالنخبة ووصفوا الطبيعة ونمط العيش والمدن والقرى والصحراء والجبال والشواطئ وحياة الناس في الحضر والبادية. وهذه الرحلات أصبحت اليوم كتبا لا غنى عنها للباحث في تاريخ المنطقة وشؤونها وقد ترجم بعض هذه الكتب إلى العربية وبقي بعضها في لغاته الأصلية لم يترجم بعد والحاجة تدعو إلى ترجمته ونشره في لغتنا. وقد تضمنت هذه الكتب من الآراء والأحكام ما لا يتفق مع أفكارنا ونظرتنا بل ومع الحقيقة ذاتها في بعض الأحوال سواء في الدين والعقائد أو في التاريخ والشخصيات أو في الاجتماع من حيث العادات والتقاليد والسلوك ومرد ذلك في الغالب إلى المقاييس المغايرة وتفسير الأمور بطريقة أخرى وإلى الجهل وعدم الإلمام الكافي بالأمور كما هي لدينا بحكم النشأة والثقافة المختلفة مما أدى أحيانا إلى تشويه المعلومات وإلى كثير من الخلط والرؤى المضطربة ولا شك أن بعضها مغرض عن عمد وسوء قصد. ومع ذلك فإن معظم ما كتب ينطوي على معلومات مهمة لا تقدر بثمن. وأيا كانت تحفظاتنا على بعض ما ورد في هذه الكتابات أو السياق الذي عالجت به موضوعاتها إلا إننا لا نستطيع سوى الإقرار بالشكر لأولئك الناس إذ لولا تلك المعلومات والبيانات لضاع منا الكثير والكثير حيث لم ندون نحن ولا قومنا سوى أقل القليل من أحداث تلك القرون وشؤونها على أهميتها وخطورتها - وهي التي صنعت تاريخنا الذي نعيشه اليوم - ولكن قبل لوم الذات وتمجيد الآخرين لا بد من الالتفات إلى الظروف الموضوعية التي كانت قائمة يومئذ وما هو حالنا نحن مقارنة بأحوالهم هم الذين كان الأمر في أيديهم وكانت لهم الجمعيات ومعهم المؤسسات تموّل وتقدم الدعم السخي الجزيل ولديهم المعرفة الواسعة التي نجهلها نحن لا أقول في أزمنة سلفت ولكن أقول لا نزال حتى اليوم ربما. 

منذ القرن الخامس عشر والتغيرات الكبرى التي حدثت في الدنيا والعالم بأسره ابتداء من سقوط غرناطة والحروب الصليبية وما سمي باكتشاف أميركا ووصول الأوروبيين إلى الهند عبر طريق رأس الرجاء الصالح ثم تنامي القوة البرتغالية واستيلائها بعد الهند وبحرها المحيط على عمان والخليج واليمن وظهور القوى الأوروبية الأخرى المنافسة للبرتغاليين ونهضة العمانيين لمقاومة الاستعمار البرتغالي وقيام دولة اليعاربة وصعود الإنجليز كقوة عظمى مع سقوط البرتغال والثورة الفرنسية الكبرى والتنافس بين الفرنسيين والإنجليز والهولنديين وبروز أميركا بعد استقلالها أمة تجارية عظمى وغزو نابليون لمصر والشرق واستتباب الأمر أخيرا لصالح الإنجليز الذين أنشأوا إمبراطورية بحرية كونية قيل وقتها أن - الشمس لا تغرب عن علمها - استمرت حتى نهاية الحرب العالمية الثانية قبيل منتصف القرن الماضي عندما سلمت قيادة العالم رسميا لأميركا القوة التي لا تزال متفردة بهذه الزعامة حتى اليوم. 

خلال هذه الخمسة قرون كان المغامرون والأطباء والمبشرون والحالمون بالثروة والمسكونون بهاجس الأسطورة وقادة الأساطيل والمبعوثون الرسميون وآخرون ذوو أهداف ومقاصد مختلفة ومتنوعة كل هؤلاء كانوا يتدفقون على الشرق وبلدانه بأسماء وصفات وأشكال متنوعة متخفية ومستترة أو ظاهرة معلنة عن ذاتها. يلبسون لباس العرب ويتزينون بزيهم ويحاكونهم قدر ما تسعفهم المحاكاة لتبدو حالتهم منسجمة مع حالة الجمهور العريض الذي جاءوا لتفحص أحواله. وقد كانت أهدافهم الأولى نحو فلسطين تحت شعار الحج وزيارة المقدسات ثم تطورت فأصبح هدفهم الأبرز زيارة مكة والمدينة باعتبارهما أهم مكانين لدى المسلمين ومنهما يمكن معرفة ما وراءهما من شأن العالم الإسلامي في مشارقه ومغاربه. وكان الطريق الأول لأكثرهم هو مصر وهي كانت نقطة انطلاقهم منها يذهبون وإليها يعودون برا وبحرا بحكم أهميتها الإستراتيجية والجغرافية ومعها العراق والشام وبقية أجزاء جزيرة العرب. 

وكانت عمان من ضمن هذه الأقطار العربية التي كانت تتجه إليها الرحلات وقد جاءها المئات من الرحالة منذ بدايات الغزو البرتغالي الذي اكتوت بنيرانه وتجرعت مرارته وحتى الخمسينات من القرن الماضي. جاءها رحالة من البرتغال أثناء فترة احتلالهم وتمكنهم ومنهم من جاء بعد طرد جيوشهم وفي كلتا الحالتين وصفوا ما شاهدوا ولم تكن مشاعرهم واحده في الحالتين ففي الأولى كانوا مبتهجين مفتخرين وفي الثانية كانوا في حزن وألم وقد ترجم البعض مما كتبوه وما زال الأكثر والأهم في لغته. وجاءها أناس من الدنمارك وإيطاليا وألمانيا وفرنسا وأميركا وفي مقدمة هؤلاء كان الإنجليز وهم الأكثر عددا على اختلاف مهنهم ومهماتهم. ولا أزعم لنفسي هنا القدرة على إحصاء كل الذين زاروا عمان وتركوا وصفا مكتوبا لما رأوه أو فعلوه في هذه القرون الخمسة فذلك فوق طاقتي. وحتى ما تمكنت من مطالعته مما كان تحت نظري وأنا أعد هذه الوريقة من الصعب الوقوف معه مطولا وذلك لتواضع قدراتي في المقام الأول ولأن الظرف لا يتسع لأكثر من وقفات عجلى تومئ ولا تفصل. 

وهكذا سأمر سريعا على هذه النماذج التي اخترتها ومنهم رجال دين وقادة أساطيل ودبلوماسيون ورحالة مغامرون. 

وسألتزم في العرض التسلسل الزمني والأقدمية محاولا الإيجاز والإختصار وإيضاح ما يمكن إيضاحه بحسب ما يسمح به المقام. 

قبيل مجئ البرتغاليين توافد مبعوثوهم وجواسيسهم إلى الشرق لأغراض سياسية ودينية وتجارية وكان من أقدم هؤلاء بدرو دي كوفيلهام» الذي كان يتقن العربية ولغات شرقية أخرى وقد وصل المنطقة عام ٧٨٤١ مع رفيق رحلته دي بايفا» وكان الهدف الأساسي من رحلتهما بالإضافة إلى معرفة التجارة هو التحقق من إمكانية الذهاب إلى الهند مرورا بالبحر الأحمر. وبعد ذلك جاء لود فيكودي فارتيما» الذي يسمى نفسه البولوني ومن الواضح أنه ليس بعيدا عن جهود البرتغاليين لاستكشاف الشرق ومعرفة مكة والعرب والإسلام. كان ذلك تمهيدا لبدء الغزوة البرتغالية. ثم جاء آخرون برفقة الأسطول البرتغالي القادم للسيطرة والإحتلال كمثل تومي بيريز»ودورات باربوسا» اللذان وصلا في حدود 1500 أ وبعدها بقليل وقد ألف كل منهما كتابا مهما عن مشاهداته فقد ذكر بيريز» في كتابه الخليج ووصف بعض دياره ويعد كتاب باربوسا» من الكتابات المهمة والدقيقة في تلك المرحلة الباكرة ومن المدن التي وصفها في الخليج مدينة قريات» العمانية التي قال عنها فيها تجارة مزدهرة ومواد غذائية كثيرة فضلا عن الخيول الممتازة في نوعيتها حيث كان التجار يقومون بشرائها وتصديرها إلى الهند» وتحدث كذلك عن مسقط وعن رأس الخيمة وعن موانئ الخليج الأخرى. وبعد السيطرة البرتغالية على الشواطئ العمانية والخليجية توافد عدد من رحالة البرتغال للتعرف على مستعمراتهم الجديدة ومن هؤلاء الفارز وتنريرو» الذي وصل مسقط 1526 وفي 1587 جاء إلى مسقط بدروتكسيرا» وكان ذلك مع بداية تضعضع البرتغاليين. وقبيل نهاية العهد البرتغالي جاء للمنطقة الأب مانوئيل غودنهو» وكان مجيئه عام 1663 وقد تحدث فيما كتبه بحسرة عن اضمحلال الإمبراطورية البرتغالية. ومن الرحالة الذين جاءوا لعمان في ذلك الوقت المبشر الفرنسي فيليب دور» الذي جاء في 1636 ورأى في مسقط تحصينات هائلة للبرتغاليين وقدم وصفا دقيقا لميناء مسقط وتحصيناته والمدفعية المثبتة فوق الجبل للدفاع عن المدينة كما وصف صحار وقريات وبعض المناطق الأخرى».ثم جاء في 1669 الفرنسي مارتن فرانسوا» وتحدث كشاهد عيان عن المعارك التي يخوضها أهل عمان ضد البرتغاليين والسفن التي يبحرون فيها لهذا الغرض. وفي ما بين 1696 و1699 جاء رحالة آخرون من فرنسا وإيطاليا وهولندا وتحمل كتاباتهم وصفا لسقوط البرتغاليين وتأسيس الدولة اليعربية ودور الإمام ناصر بن مرشد

0 التعليقات:

إرسال تعليق